أدّت الأزمة الصحية التي نعيشها منذ ظهور جائحة فيروس كوفيد -19، إلى أزمة غير مسبوقة ومتعددة الأبعاد كانت لها انعكاسات بالغة على صحة المواطنين وجودة حياتهم، وكذا على نشاط النسيج الإنتاجي ودَخْلِ الأسر وميزانيات الدول.

وفي هذا الصدد، توصل المجلس بإحالة من السيد رئيس مجلس النواب بتاريخ 30 أبريل 2020 من أجل إعداد دراسة “الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا ” كوفيد 19″ والسبل الممكنة لتجاوزها”.

وتندرج هذه الدراسة، الذي تمت المصادقة عليها من طرف الجمعية العامة للمجلس بتاريخ 22 أكتوبر 2020، في إطار دينامية مزدوجة، متسمة من جهة بضرورة التصدي للأزمة الصحية وتداعياتها، ومن جهة أخرى بضرورة إرساء نموذج تنموي متجدد لبلادنا.

ذلك أن المجلس يسعى إلى المساهمة في تزويد بلادنا برؤية من شأنها أن تمكنها من التخفيف ما أكمن من آثار هذه الأزمة وكذا الانتقال إلى تنزيل النموذج التنموي الجديد الذي تطمح إليه.

ويغتنم المجلس هذه الفرصة ليُعرب عن تقديره وإشادته بالأطقم الطبية والسلطات العمومية ونساء ورجال التعليم وأصحاب المهن وكل الأشخاص العاملين بشكل يومي وبلا كلل في الخطوط الأمامية لمواجهة الجائحة وتداعياتها الخطيرة على صحة المواطنين وظروف عيشهم. كما يود المجلس أن يعرب عن عظيم اعتزازه بالحس الوطني العالي الذي أبان عنه المواطنون والمواطنات ومجموع القوى الحية في المجتمع، وروح التضامن والمسؤولية الجماعية التي تَحَلَّوا بها خلال هذه الأزمة.

وبغية الوقوف على مختلف الديناميات الجارية وبلورة توصيات عملية لتدبير وتجاوز الأزمة، نظم المجلس عدة جلسات إنصات مع ممثلي الفاعلين العموميين، فضلاً عن ممثلي الجمعيات والفدراليات المهنية، والمنظمات النقابية والمؤسسات الدولية، بالإضافة إلى عدد من الخبراء من ذوي الاختصاص. كما عمل المجلس على تحليل النصوص القانونية والتنظيمية الجاري بها العمل ومختلف الدراسات المنجزة وطنيا ودوليا، فضلا عن المساهمات الأكاديمية المنشورة حول موضوع هذه الإحالة.

ويرى المجلس أنه، إلى الآن، تظل تداعيات أزمة كوفيد-19، رغم أهمية وإرادية الإجراءات والتدابير المتخذة في ظل حالة الطوارئ الصحية أو التي جرى الإعلان عنها للحد من تفشي الجائحة، تداعيات عميقة ومتعددة الأبعاد وتطال الدينامية الاقتصادية وظروف عيش الساكنة وكذا جودة ونجاعة الخدمات العمومية، كما تشمل آثارها الجانب البيئي.

وجدير بالذكر، أن شدة هذه التداعيات ليست وليدة اليوم. ذلك أن وجود مكامن الضعف وأشكال الهشاشة البنيوية في نموذجنا التنموي الحالي الذي بلغ مداه، قد شكل عاملا زاد من حدة الصعوبات التي تواجهها بلادنا، نتيجة التأخير الذي تمت مراكمته في تنزيل أوراش رئيسية من قبيل تعميم الحماية الاجتماعية وتأهيل المنظومة الصحية، وإدماج القطاع غير المنظم، وتنزيل الجهوية المتقدمة، والنهوض بالمقاولات المغربية.

ومن جهة أخرى، كشفت أزمة كوفيد-19 العديد من المؤهلات التي تتمتع بها بلادنا. والتي تجلت بشكل خاص في تفاعل وتعبئة السلطات العمومية، ومرونة بعض القطاعات الإنتاجية وقدرتها على التكيّف، وروح التضامن التي أبان عنها المواطنات والمواطنون، وانخراط المملكة في مسلسل التحول الرقمي. 

 

وفي هذا السياق، يعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن هذه الأزمة تشكل فرصة حقيقية لإجراء تغيير جذري في العقليات وأنماط التفكير والتنظيم والتدبير والإنتاج والاستهلاك السائدة في بلادنا. ويقتضي هذا التحول القيام بإصلاحات هيكلية عميقة كفيلة بالمساهمة في توفير الشروط الملائمة لتنزيل النموذج التنموي الجديد، الجاري إعداده.

 

 

وعليه، يقترح المجلس جملة من مداخل التغيير الكبرى والتوصيات ذات البعد التدريجي والتراكمي، من أجل تحقيق ثلاثة أهداف استراتيجية رئيسية:

  1. تعزيز قدرة بلادنا على الصمود في وجه التقلبات وعلى التعايش مع فيروس كورونا طالما أن ذلك أصبح ضروريًا، مع ضمان حق المواطنات والمواطنين في الصحة، ودعم القدرة الشرائية للأسر وحماية منظومة الإنتاج؛
  2. العمل على إنعاش اقتصاد بلادنا، من خلال تشجيع المقاولات على تحسين تنافسيتها وخلق فرص الشغل، مع الحرص أيضًا على مواكبة التحولات التي أحدثتها الأزمة، وذلك بما يكفل اغتنام الفرص التي تتيحها الدينامية الجديدة لإعادة تشكيل سلاسل الإنتاج العالمية؛
  3. وضع المغرب على مسار تنموي جديد، من خلال معالجة مكامن الضعف والهشاشة التي تعتري نموذجنا التنموي الحالي، وعبر تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات وتدابير إعادة الهيكلة اللازمة لانبثاق مغرب مزدهر بشكل مستدام وأكثر إدماجاً وتضامنا وقدرة على الصمود أمام التقلبات.

وقي هذا الصدد، يقترح المجلس 149 توصية تنتظم حول 7 محاور رئيسية، وتهدف أساسا إلى تعزيز قدرة بلادنا على استباق التحولات والتكيف معها بكل مرونة.

1.      التعايش مع كوفيد-19: بين متطلبات حالة الاستعجال وضرورة التكيف

2.      تعزيز ثلاثة أدوار أساسية للدولة (دولة تضطلع بتوفير التأمين للجميع خلال الأزمات؛ دولة تضطلع بوظيفة الرعاية الاجتماعية ويحتل فيها المواطن مكانة مركزية؛ دولة تضطلع بمهام التخطيط الاستراتيجي وذات رؤية على المدى الطويل) وإعادة توجيه السياسات العمومية من أجل بناء مغرب أكثر إدماجا وأكثر قدرة على الصمود إزاء التقلبات

3.      الانتقال من “منظومة للعلاجات” إلى “منظومة صحية” بحصر المعنى

4.      إرساء منظومة للحماية الاجتماعية المعممة واستراتيجيات مبتكرة من أجل إدماج القطاع غير المنظم

5.      إنعاش الاقتصاد على المدى القصير مع العمل في المدى المتوسط على تعزيز قدرته على الصمود في وجه الصدمات المستقبلية

6.      تطوير القطاعات الاستراتيجية من أجل تعزيز السيادة الاقتصادية لبلادنا

7.      إرساء سياسة وطنية مندمجة وشاملة في مجال التحول الرقمي