التعويض عن فقدان الشغل: أية بدائل في ضوء مقتضيات القانون الإطار المتعلق بالحماية الاجتماعية؟

ملخص

منذ‭ ‬سنِّ‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل‭ ‬في‭ ‬2015،‭ ‬لا‭ ‬يستفيد‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعويض‭ ‬سوى‭ ‬عددٍ‭ ‬محدودٍ‭ ‬من‭ ‬الأشخاص‭. ‬فحسب‭ ‬آخر‭ ‬الأرقام‭ ‬المتوفرة،‭ ‬فقد‭ ‬بلغ‭ ‬عدد‭ ‬المستفيدين‭ ‬منذ‭ ‬إحداث‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬77‭.‬826‭ ‬مستفيدٍ،‭ ‬وهو‭ ‬رقم‭ ‬يبقى‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬تحديده‭ ‬في‭ ‬30‭.‬000‭ ‬مستفيد‭ ‬في‭ ‬السنة‭. ‬

إن‭ ‬هذا‭ ‬التعويض،‭ ‬الذي‭ ‬يتم‭ ‬صرفه‭ ‬لمدة‭ ‬ستة‭ ‬أشهر‭ ‬لفائدة‭ ‬الأجراء‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬المهيكل‭ ‬المصرَّح‭ ‬بهم‭ ‬لدى‭ ‬الصندوق‭ ‬الوطني‭ ‬للضمان‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الفصل‭ ‬من‭ ‬الشغل،‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬شبكة‭ ‬أمان‭ ‬اجتماعي‭ ‬تحمي‭ ‬الأشخاص‭ ‬من‭ ‬الوقوع‭ ‬الفجائي‭ ‬في‭ ‬الفقر،‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬تأمين‭ ‬عن‭ ‬البطالة‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬الصدد،‭ ‬يعادل‭ ‬التعويض‭ ‬الشهري‭ ‬70‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬الأجر‭ ‬المرجعي‭ (‬الأجر‭ ‬الشهري‭ ‬المتوسط‭ ‬المصرح‭ ‬به‭ ‬لفائدة‭ ‬الأجير‭ ‬خلال‭ ‬الستة‭ ‬وثلاثين‭ ‬شهراً‭ ‬الأخيرة‭ ‬التي‭ ‬تسبق‭ ‬تاريخ‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل‭)‬،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يتجاوز‭ ‬هذا‭ ‬المقدار‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬القانوني‭ ‬للأجر‭.‬

ومن‭ ‬خلال‭ ‬تحليل‭ ‬خصائص‭ ‬الآلية‭ ‬الحالية‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل،‭ ‬يمكن‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬ثلاثة‭ ‬أسباب‭ ‬رئيسية‭ ‬تحدُّ‭ ‬من‭ ‬نطاق‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التعويض‭:‬

‌شروط‭ ‬تقييدية‭ ‬للاستفادة‭ ‬من‭ ‬التعويض،‭ ‬حيث‭ ‬تمَّ‭ ‬على‭ ‬الخصوص‭ ‬رفض‭ ‬قرابة‭ ‬نصف‭ ‬الملفات‭ ‬لعدم‭ ‬كفاية‭ ‬عدد‭ ‬أيام‭ ‬الشغل‭ ‬المصرَّح‭ ‬بها؛

خدمات‭ ‬غير‭ ‬كافية،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬احتساب‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬القانوني‭ ‬للأجور،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يراعي‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬المهنية؛

تمويل‭ ‬غير‭ ‬كافٍ‭ ‬وغير‭ ‬منصفٍ‭ ‬لا‭ ‬يراعي‭ ‬استدامة‭ ‬مصادر‭ ‬التمويل‭ ‬ولا‭ ‬توزيع‭ ‬الفئات‭ ‬المهنية‭.‬

ويقتضي‭ ‬هذا‭ ‬الوضع‭ ‬التعجيل‭ ‬بإعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬آلية‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل،‭ ‬وذلك‭ ‬كجزء‭ ‬من‭ ‬المحاور‭ ‬الأربعة‭ ‬التي‭ ‬يستهدفها‭ ‬الإصلاح‭ ‬المنصوص‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬الاجتماعية‭.‬

إن‭ ‬إعادة‭ ‬تنظيم‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬عبر‭ ‬اعتماد‭ ‬إصلاح‭ ‬مقياسي،‭ ‬وهو‭ ‬الخيار‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬الحكومة‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2018،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتم‭ ‬المصادقة‭ ‬على‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬الاجتماعية‭. ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬يتضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دراسة‭ ‬المجلس‭ ‬لهذه‭ ‬الصيغة‭ ‬المقترحة‭ ‬للإصلاح‭ ‬أنها‭ ‬تتسم‭ ‬بالمحدودية،‭ ‬إذ‭ ‬إنها‭ ‬لا‭ ‬تَهُم‭ ‬سوى‭ ‬إصلاح‭ ‬معيارٍ‭ ‬واحدٍ‭ ‬هو‭ ‬‮«‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬لمدة‭ ‬الاشتراك‮»‬،‭ ‬وتفضي‭ ‬إلى‭ ‬اختيار‭ ‬السيناريو‭ ‬الأقل‭ ‬تكلفة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية‭ ‬لكنه‭ ‬يبقى‭ ‬الأقل‭ ‬فائدة‭ ‬اجتماعيًا‭.‬

ومن‭ ‬هذا‭ ‬المنطلق،‭ ‬فإن‭ ‬المجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي‭ ‬يوصي،‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬مقتضيات‭ ‬القانون‭ ‬الإطار‭ ‬المتعلق‭ ‬بالحماية‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬بإرساء‭ ‬إصلاح‭ ‬نسقي‭ ‬تدريجي‭ ‬لآلية‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل‭ ‬والتعجيل‭ ‬بإجراء‭ ‬دراسة‭ ‬حول‭ ‬إرساء‭ ‬منظومةٍ‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬البطالة،‭ ‬تشمل‭ ‬نظاماً‭ ‬للتأمين‭ ‬ونظاماً‭ ‬للمساعدة،‭ ‬ويتم‭ ‬ربطها‭ ‬بآلية‭ ‬فعالة‭ ‬للمساعدة‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العمل‭.‬

وبناءً‭ ‬على‭ ‬عملية‭ ‬التشخيص‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إنجازها،‭ ‬ومراعاةً‭ ‬للظرفية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تجتازها‭ ‬بلادنا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الراهن‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تداعيات‭ ‬أزمة‭ ‬كوفيد‭- ‬19،‭ ‬يوصي‭ ‬المجلس‭ ‬بوضع‭ ‬نظام‭ ‬للتأمين‭ ‬يتضمن‭ ‬آليتين‭ ‬اثنتين‭:‬

نظام‭ ‬للتأمين‭ ‬عن‭ ‬البطالة‭ ‬خاص‭ ‬بالعاملين‭ ‬الأجراء،‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يتيح‭ ‬تجاوز‭ ‬أوجه‭ ‬المحدودية‭ ‬التي‭ ‬تعتري‭ ‬الآلية‭ ‬الحالية‭ ‬للتعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل،‭ ‬وذلك‭ ‬من‭ ‬خلال‭:‬

  • تقليص‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬لعدد‭ ‬أيام‭ ‬الاشتراك‭ ‬المطلوبة،‭ ‬عبر‭ ‬إقرار‭ ‬مدة‭ ‬تتلاءم‭ ‬مع‭ ‬خصائص‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭ ‬ببلادنا؛
  • رفع‭ ‬الحد‭ ‬الأقصى‭ ‬للتعويض‭ (‬4‭ ‬إلى‭ ‬5‭ ‬أضعاف‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬القانوني‭ ‬للأجور‭)‬؛
  • تمديد‭ ‬مدة‭ ‬صرف‭ ‬التعويضات‭ ‬بما‭ ‬يتناسب‭ ‬مع‭ ‬مدة‭ ‬الاشتراك؛

توسيع‭ ‬آليات‭ ‬تمويل‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬الشغل،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ترشيد‭ ‬وإعادة‭ ‬توجيه‭ ‬الموارد‭ ‬المالية‭ ‬المتاحة‭ ‬دون‭ ‬زيادة‭ ‬الأعباء‭ ‬التي‭ ‬تثقل‭ ‬كاهل‭ ‬المقاولات‭ ‬والعاملين؛

تبسيط‭ ‬المساطر‭ ‬الإدارية؛

العمل‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬على‭ ‬توسيع‭ ‬دائرة‭ ‬وشروط‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التعويض‭.‬

نظام‭ ‬للتأمين‭ ‬عن‭ ‬البطالة‭ ‬لفائدة‭ ‬العاملين‭ ‬غير‭ ‬الأجراء‭. ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬تفعيل‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراح‭ ‬بشكل‭ ‬تدريجي‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬موضوع‭ ‬نقاش‭ ‬وتشاور‭ ‬بين‭ ‬الأطراف‭ ‬المعنية‭ ‬حتى‭ ‬يتم‭ ‬الأخذ‭ ‬بعين‭ ‬الاعتبار‭ ‬خصوصيات‭ ‬مختلف‭ ‬المهن،‭ ‬كما‭ ‬يقتضي‭ ‬التحديد‭ ‬المسبق‭ ‬لآثار‭ ‬وَقْف‭ ‬النشاط‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الفئات‭ ‬من‭ ‬العاملين‭.‬

كما‭ ‬يوصي‭ ‬المجلس،‭ ‬بالموازاة‭ ‬مع‭ ‬وضع‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الخاص‭ ‬بالتأمين‭ ‬عن‭ ‬البطالة،‭ ‬بإرساء‭ ‬آليتين‭ ‬مهمتين‭ ‬للمواكبة‭: 

نظام‭ ‬للمساعدة‭ ‬لفائدة‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬فقدوا‭ ‬شغلهم،‭ ‬لكنهم‭ ‬لا‭ ‬يستوفون‭ ‬شروط‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التأمين‭ ‬عن‭ ‬البطالة،‭ ‬وكذا‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬استنفدوا‭ ‬فترة‭ ‬استحقاق‭ ‬التأمين؛

آلية‭ ‬فعالة‭ ‬للمساعدة‭ ‬على‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬العمل،‭ ‬تتيح‭ ‬إشراك‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬لإنعاش‭ ‬التشغيل‭ ‬والكفاءات‭ ‬والمكتب‭ ‬الوطني‭ ‬للتكوين‭ ‬المهني‭ ‬وإنعاش‭ ‬الشغل،‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬ومُلزِم‭. ‬وينبغي‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هذه‭ ‬الآلية‭ ‬جزءًا‭ ‬لا‭ ‬يتجزأ‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المنظومة‭ ‬الجديدة،‭ ‬وذلك‭ ‬بما‭ ‬يُمكِّن‭ ‬من‭ ‬إعادة‭ ‬إدماج‭ ‬المعنيين‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬الشغل‭. ‬