ASA-C4-022019-45-6914-ar
أعدّ المجلس، في إطار إحالة ذاتية، رأيه حول موضوع الانتقال الطاقي. وفي هذا الصدد، اعتمد المجلس مقاربة استشرافية لوضع سيناريوهات لسنوات 2030 و2040 و2050 من أجل بحث الخيارات الاستراتيجية التي يمكن اعتمادها منذ اليوم.
إن الرؤية الملكية السامية الرامية إلى تعزيز موقع المغرب ضمن مصاف البلدان الرائدة في مجال الانتقال الطاقي على الصعيد العالمي، والتي أفضت إلى اعتماد الاستراتيجية الطاقية الشمسية والريحية على الصعيد الوطني في 2009، وضعت بلادنا على مسار جديد قادر على تحقيق منافع اقتصادية واجتماعية وبيئية هامة. وفي هذا الإطار، رسخ مؤتمر الكوب 22 الذي نظم في مراكش سنة 2016 موقع الريادة الذي تحتله بلادنا في هذا المجال.
كما أن الخبرة التي اكتسبها الفاعلون الوطنيون منذ انطلاق الاستراتيجية الطاقية الوطنية في 2009 وكذا التطور التكنولوجي الذي أحدث قطائع أساسية خلال الأربع سنوات الماضية، كلها عوامل ساهمت في بلورة وضعية جديدة. وهكذا أضحت أسعار الطاقات المتجددة أكثر تنافسية حيث استقر آخر طلب عروض للطاقة الريحية لسنة 2015 في المغرب، على سعر 0.30 درهم للكيلوواط ساعة بينما بلغ آخر طلب عروض في مجال الطاقة الكهروضوئية في منطقة الشرق الأوسط سعرا يعادل 0.13 درهم للكيلوواط ساعة، في إطار شروط مماثلة لتلك المعمول بها في بلادنا.
وهي أرقام لم تكن متوقعة من قبل، وتفضي إلى إحداث تغييرات عميقة في النماذج الطاقية، كما تدعو إلى تسريع تجسيد الرؤية الملكية السامية. في هذا الصدد، توصي باعتماد مقاربة متجددة في تنزيل الاستراتيجية الطاقية الوطنية. وبذلك، تصبح الطاقة محفزا حقيقيا لإقلاع أخضر جديد في المغرب.
وتعد إمكاناتنا الطاقية من الطاقات المتجددة التي أصبحت أكثر تنافسية، من الأهمية بمكان، حيث تمثل تقريبا قدرة إنتاج الغاز والنفط في فنزويلا ونيجيريا. وسيمكن استغلال هذا المخزون من تقليص معدل التبعية الطاقية بشكل كبير، وتحسين القدرة الشرائية للمواطن/ة وتحقيق تنافسية الصناعات والحسابات العمومية بل وتعزيز موقع بلادنا على الصعيد الدولي.
ومن المفترض أن يسمح هذا التوجه للمغرب بتزويد أوروبا بالطاقة الخضراء عبر الكهرباء والهيدروجين. كما تفتح الالتزامات الأوروبية الجديدة آفاقا واعدة في هذا المجال، وهي تهدف إلى الوصول إلى الحياد المناخي الشامل بحلول عام 2050 والتي تجسدت في الصفقة الخضراء للاتحاد الأوروبي. وقد صنفت دراسة ألمانية مؤخرا المغرب كواحد من بين أفضل خمس بلدان في العالم في مجال تطوير هذا النوع من الشراكات الطاقية.
وارتكازا على هذه الدواعي، قرر المجلس، في إطار إحالة ذاتية، إعداد رأي حول موضوع الانتقال الطاقي. وفي هذا الصدد، اعتمد المجلس مقاربة استشرافية لوضع سيناريوهات لسنوات 2030 و2040 و2050 من أجل بحث الخيارات الاستراتيجية التي يمكن اعتمادها منذ اليوم.
كما استعان المجلس بخبراء دوليين في القطاع وعقد 63 جلسة إنصات مع خبراء في المجال ومع الأطراف المعنية من بينها قطاعات حكومية ومؤسسات عمومية ووطنية، على غرار وكالة «مازن»، والمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، ومعهد البحث في الطاقة الشمسية والطاقات المتجددة، والوكالة المغربية للنجاعة الطاقية، والمكتب الشريف للفوسفاط، وكذا الاتحاد العام لمقاولات المغرب.
لقد خلصت مداولات المجلس إلى توافق كبير، على مستوى مكوناته التي تمثل المنظمات المهنية والنقابات والمجتمع المدني، حول ضرورة بلورة استراتيجية متجددة للانتقال الطاقي ببلادنا تعود بالنفع على المواطنات والمواطنين.
أما المنافع المحتملة فستكون جد هامة، حيث ستنخفض نسبة التبعية الطاقية من 88 في المائة اليوم، إلى 35 في المائة بحلول 2040 وإلى أقل من 17 في المائة بحلول 2050. وموازاة مع ذلك، سينخفض السعر المتوسط للكهرباء من 0,79 درهم للكيلوواط ساعة حاليا، إلى 0,61 درهم للكيلوواط ساعة في 2040 و0,48 درهم للكيلوواط ساعة في 2050.
ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، تُظهر النمذجة الاستشرافية ضرورة الشروع في تنزيل استراتيجية تَأخذ في الاعتبار التحول الطاقي في مجمله، فضلا عن الكهرباء والاستعمالات الكلاسيكية. لذا يتعين:
- تخصيص القدرات الكهربائية بشكل شبه حصري مستقبلا، للموارد المتجددة والتخزين (محطات نقل الطاقة عبر الضخ (STEP)، البطاريات، والتكنولوجيات التي هي قيد التطور)؛
- تثمين الإنتاج الكهربائي اللامركزي على مستوى المنازل والصناعات والجماعات والمشاريع الفلاحية والتعاونيات…إلخ؛
- التحويل التدريجي للتنقل الذي يمثل 40 في المائة من إجمالي الاستهلاك الطاقي الحالي من أجل تثمين اللجوء إلى النقل المشترك المستدام والسيارات الكهربائية؛
- تنزيل سياسة متناسقة للنجاعة الطاقية؛
- الاستثمار في تحلية المياه بواسطة الطاقات المتجددة التي تشهد كلفتها انخفاضا من أجل التعاطي مع إشكالية الإجهاد المائي؛
- مواكبة ثورة الهيدروجين (Power–to–X)حيث تعتبر المميزات التنافسية للمغرب كبيرة.
ولتحقيق هذه الأهداف، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باعتماد المبادئ الآتية من أجل تنزيل هذه الاستراتيجية المتجددة:
- تدارُسُها بشكل شمولي من أجل الاستفادة من أشكال التآزر بين المبادرات المذكورة آنفا؛
- مواكبتها بإصلاح شامل للإطار القانوني والحكامة من أجل التكيف مع التطورات التي يشهدها القطاع وإعادة تشكيل السياسات العمومية التي تؤثر على الطاقة من خلال التعاطي بطريقة منسقة ومتكاملة مع مجموع السياسات ذات الصلة التي تمت بلورتها وتنفيذها بشكل قطاعي منعزل؛
- إعطاء حيز أكبر للمبادرة الخاصة على جميع المستويات مع ضمان تأمين التزود الشامل؛
- الاعتماد على انخراط مواطن موسع بإشراك المواطنات والمواطنين والمجالات الترابية لربط الانتقال الطاقي برهانات التنمية المحلية.
وبالنسبة للنقطة الأخيرة، يوصي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بوضع ميثاق للانتقال الطاقي، تماشيا مع الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية للطاقة سنة 2009.
وعلى الصعيد القاري، يوصي المجلس بضرورة توجه المغرب نحو ورش كهربة إفريقيا، وكذا إنشاء بنيات تحتية لتبادل الكهرباء النظيفة مع منطقة غرب إفريقيا، على الخصوص.
أما على الصعيد الدولي، فإن المغرب يمتلك مؤهلات تمكنه من الارتقاء إلى مصاف البلدان الرائدة في مجال الاقتصاد الأخضر الجديد ولا سيما قطاع الهيدروجين. وهو ما سيتجسد من خلال إرساء شراكة جديدة في المجال الطاقي بين المغرب وأوروبا، تشمل أبعاد نقل التكنولوجيا والبحث والتطوير والتنمية الصناعية.