
يدعو رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى اعتماد ثلاث توصيات استراتيجية من شأنها الارتقاء بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية
يهدف رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول موضوع « من أجل سياسة عمومية للسلامة الصحية للأغذية تتمحور حول حماية حقوق المستهلكين وتعزيز تنافسية مستدامة للمُقاولة على الصعيدين الوطني والدولي» إلى تحديد السبل الممكنة للنهوض الشامل بالسلامة الصحية للأغذية بالمغرب عن طريق اقتراح حلول واقعية ومستدامة، تتلاءم والإكراهات التي تواجه المهنيين والسلطات المختصة المكلفة بالحكامة في هذا المجال. وعلى الصعيد الاقتصادي، من شأن هذه المقترحات ضمان دعم تنافسية الاقتصاد المغربي واندماجه في الاقتصاد العالمي والجهوي.
ويعد هذا الرأي، الذي تمت صياغته اعتمادا على منهجية تشاركية، نتاج نقاشات موسعة بين مختلف الفئات التي يتكون منها المجلس وكذا جلسات الإنصات المنظمة مع الفاعلين الرئيسيين المعنيين. كما يستند إلى مراجعة للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل اعتمادا على التجارب الدولية ذات الصلة في مجال سلامة الأغذية.
كما يشير إلى أن التقدم الكبير الذي تم إحرازه على مستوى السلامة الصحية للأغذية منذ 2009 مع اعتماد القانون 25.08 القاضي بإحداث المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية والقانون رقم 28.07 حول السلامة الصحية للمنتجات الغذائية، والقانون رقم 31.08 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك. وهو ما جعل اليوم نظام السلامة الصحية للأغذية يتيح للمنتجات المغربية إمكانية اختراق الأسواق العالمية التي يصعب الولوج إليها.
ومع ذلك، يؤكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي على وجود العديد من المؤسسات على الصعيد الوطني التي لا تتوفر على تراخيص صحية وتعرض منتجاتها في الأسواق، معرضة صحة المستهلكين لمخاطر أكيدة وغير متحكم فيها. ففي 2018، كانت 8 مجازر للحوم فقط هي التي تتوفر على اعتماد المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية (أقل من 1٪). وفيما يتعلق بمحلات ذبح الدواجن، تم الترخيص فقط ل 27 منها، مقابل أكثر من 15000 محل غير مرخص. كما أن 8٪ فقط من لحوم الدجاج الموجهة للاستهلاك يتم توريدها من الوحدات التي تخضع للمراقبة، من أصل 570.000 طن تم إنتاجها في 2018.
بالإضافة إلى ذلك، فإن المدخلات الكيماوية بما فيها مبيدات الآفات، المستخدمة في المجال الفلاحي، على أهميتها لحماية إنتاجية وجدوة المحاصيل، لا يتم التحكم في استعمالها بالقدر الكافي طبقا للمعايير المعتمدة، وبالتالي تشكل خطرًا مؤكدًا على الصحة والبيئة وتساهم في تدهور الموارد المائية والنظم الإيكولوجية الطبيعية.
ويمكن تفسير هذه الوضعية على وجه الخصوص بغياب سياسة عمومية متكاملة لسلامة الأغذية، مما يؤدي إلى العديد من الاختلالات فيما يتعلق بتعدد المتدخلين وتداخل الاختصاصات، وهيمنة القطاع غير المنظم، وانخفاض مستوى متطلبات المستهلكين، وكذا بمحدودية الأدوار المنوطة بالجمعيات المدافعة عن حقوق المستهلك.
واعتمادا على هذه الملاحظات، يدعو رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى اعتماد ثلاث توصيات استراتيجية من شأنها الارتقاء بالسلامة الصحية للمنتجات الغذائية بشكل كبير وهي كالتالي:
أولا : اعتماد سياسة عموميّة فعالة ومستدامة للسلامة الصحية للأغذية؛
ثانيا : الانتقال التدريجي من منظومة الحكامة الحالية القائمة على هيئات متعددة إلى منظومة مندمجة باعتماد بلادنا لوكالة وطنية للسلامة الصحية للأغذية، تكون مستقلة وتحت إشراف رئيس الحكومة. ويجب أن تتوفر هذه الوكالة على صلاحيات موسعة للمراقبة والتفتيش والجزاء. وهو ما من شأنه تحقيق تحول جذري في اختصاصات وموقع المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية.
ثالثا : الفصل بين تقييم المخاطر وتدبيرها، عن طريق إنشاء هيئة علمية مستقلة مهمتها الأساسية توفير رأي علمي من أجل ضمان استقلالية ونزاهة وحياد المعلومة المتعلقة بالسلامة الصحية للأغذية.
إن تجسيد هذا التحول في البراديغم رهين بتنفيذ خارطة طريق يتم تفعيلها تدريجياً. ومن بين التدابير الرئيسية المقترحة، نذكر ما يلي:
إدماج أهداف السلامة الصحية للأغذية في عقود البرامج المبرمة بين الحكومة والمهنيين واشتراط منح المساعدات إلى المهنيين، باحترام دفاتر التحملات
تحسين الشروط الصحية في القطاع غير المنظم في أفق إدماجه في القطاع المنظم
تعزيز الآليات والوسائل التحفيزية (المساعدات، التحفيزات الضريبية، السلفات بدون فوائد…) لفائدة صغار المنتجين لمساعدتهم على الاندماج في سلاسل الإنتاج الغذائية مع تشجيعهم على اعتماد مقاربة التصديق والمقايسة
التحكم في استخدام المدخلات الكيماوية والأسمدة ومبيدات الآفات الزراعية للحد من تأثيرها على البيئة وعلى صحة المستهلكين
تطوير الإمكانات التي توفرها الرقمنة بشكل كبير من أجل تحسين السلامة الصحية للأغذية
ضمان الحق في المعلومة حول المنتجات التي تمثل خطرا صحيا بالنسبة للمستهلك طبقا للقانون 31.13 المتعلق بالحق في الحصول على المعلومات
تفعيل الصندوق الوطني لحماية المستهلك، المنصوص عليه في القانون رقم 31.08؛
تبسيط المساطر المتعلقة بتخويل صفة المنفعة العامة للجمعيات العاملة في مجال حماية المستهلك، وذلك لتسريع وتيرة تكتلها في إطار جامعة وطنية لحماية المستهلك؛
تبسيط شروط الحصول على الإذن الخاص بالتقاضي، الواردة في المرسوم رقم 895.18، المطبقة على جمعيات حماية المستهلك غير المعترف لها بصفة المنفعة العامة؛
إشراك جمعيات حماية المستهلك في الوساطة بين المستهلك ومقدمي الخدمات أو السلع؛
تحويل المستهلك إلى «مستهلك فاعل» لجعله مستهلكا متطلبا وفاعلا في التغيير والتسريع بتفعيل المجلس الاستشاري الأعلى للاستهلاك الذي ينص عليه القانون رقم 31.08.