CESE

تحديات المقاولات المتناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى في المغرب: النمو، التحديث والتطوير

بطلب من مجلس المستشارين، أنجز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي دراسةً حول التحديات التي تواجه المقاولات متناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى. وتسلِّط الدراسة الضوء على الدور المهيكل الذي تضطلع به هذه الفئة داخل النسيج المقاولاتي الوطني، باعتبارها مكوناً أساسياً فيه، سواء من حيث حجمها العددي أو مساهمتِها البارزة في توفير فرص الشغل على الصعيد الاجتماعي. كما ترصد الدراسة أهم الصعوبات التي تواجهها هذه المقاولات، وتقدِّم توصياتٍ تروم تعزيزَ مكانتها بوصفها فاعلاً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة.

ملخص

بطلب من مجلس المستشارين، أنجز المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي دراسةً حول التحديات التي تواجه المقاولات متناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى. وتسلِّط الدراسة الضوء على الدور المهيكل الذي تضطلع به هذه الفئة داخل النسيج المقاولاتي الوطني، باعتبارها مكوناً أساسياً فيه، سواء من حيث حجمها العددي أو مساهمتِها البارزة في توفير فرص الشغل على الصعيد الاجتماعي. كما ترصد الدراسة أهم الصعوبات التي تواجهها هذه المقاولات، وتقدِّم توصياتٍ تروم تعزيزَ مكانتها بوصفها فاعلاً محورياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة. وقد صادقت الجمعيةُ العامة للمجلس على هذه الدراسة بالإجماع خلال دوراتها العادية السادسة والستين بعد المائة المنعقدة بتاريخ 30 يناير 2025.

تشكل المقاولات متناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى البنية المهيمنة ضمن النسيج المقاولاتي الوطني، إذ تمثل أزيد من 98 في المائة من مجموع المقاولات المهيكَلة ذات الشخصية المعنوية، كما توفر 56 في المائة من مناصب الشغل المصرَّح بها في القطاع الخاص. إلا أنه يسجل أن الأثر الاقتصادي للمقاولات ذات الحجم الصغير يظل محدوداً، ودون مستوى التطلعات من حيث خلق القيمة والمساهمة في الديناميات الإنتاجية.

 ويكشف تحليل واقع الحال أن هذه المقاولات تواجه صعوباتٍ كبيرة في مسار نموها وتحديثها واندماجها في سلاسل القيمة. ويتجلى ذلك في ضعف معدلات الانتقال إلى فئات أكبر، حيث لم تتجاوز نسبةُ المقاولات متناهية الصغر التي تطورت إلى صنف المقاولات الصغيرة جداً أو الصغرى 0.2 في المائة ما بين 2017 و2022. وفي المقابل، تبقى حالاتُ التراجع والانكماش متواترة، لا سيما خلال فترات الأزمات، إذ سُجِّلت سنةَ 2024 حوالي 15.658 حالةُ تَعَثُّرٍ، معظمُها في صفوف المقاولات الصغيرة جداً.

وعلى الرغم من الإصلاحات التي قامت بها السلطات العمومية، يلاحظ أن هذه المقاولات لا تزال تواجه عوائق متعددة تحول دون تحوُّلها إلى رافعة فعلية للتنمية.

فعلى الصعيد الداخلي، ما زالت تعتري هذه المقاولات، في معظمها، نقائص واضحة على مستوى رأس المال البشري، وعلى مستوى قدراتها في التدبير والتخطيط والابتكار. كما أنّ عدداً كبيراً من حاملي المشاريع الصغرى يلجون عالمَ المقاولة بدافع الاضطرار أكثر من انطلاقهم من روح المبادرة واستثمار الفرص المتاحة.

ويظل توظيف الأدوات الرقمية محدوداً للغاية، مع ارتكاز شبه حصري على الأسواق المحلية. أما المقاولات الأصغر حجماً فتبقى مقيَّدةً بقلة التمويل، بينما لا تجد المقاولات الناشئة دائما ما يلائم حاجياتها من آلياتِ المواكبَة والتمويل. وإلى جانب ذلك، يبقى الدعم غير المالي، والذي يُعَدُّ عنصراً أساسيا لتقوية القدرات، مُشَتَّتاً وضعيفَ الأثر.

وعلاوة على عناصر هذه الهشاشة الداخلية، ثمة قيود خارجية بنيوية، أبرزها محدودية الولوج إلى الأسواق، سواء عبر الصفقات العمومية، أو التصدير، أو عبر الاندماج مع المقاولات الكبرى. مع استمرار المنافسة غير المشروعة من القطاع غير المهيكل. كما تظل الإجراءات الإدارية معقدة فضلا عن الإجراءات الجبائية التي ما تزال تشكل عقبة، رغم ما يُبذل من جهود في مجال الرقمنة وتبسيط وشفافية المساطر. وتشكل آجال الأداء عبئاً إضافيا حاسما على مالية هذه المقاولات. وبموازاة ذلك يسجل أن الإطار القانوني الجاري به العمل لا يواكب بالقدر الكافي حاجيات وخصوصيات هذه المقاولات، ولا سيما الناشئة منها. وتؤدي هذه العوامل مجتمعةً إلى تقييد قدرة هذه المقاولات على النمو والتحديث.

ويعتبر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أن المقاولات متناهية الصغر والصغيرة جدا والصغرى في حاجةَ إلى مقاربةٍ شمولية تُزاوِج بين تقوية القدرات الداخلية لهذه المقاولات وتحسين بيئتها الخارجية، بما يعزز صمودها ويدعم نموها وتحديثها، ويمكِّنها من الاندماج في منظومات اقتصادية دينامية وشاملة، منسجمة مع الاستراتيجيات الوطنية القطاعية وكذا ورش الجهوية المتقدمة. وفي هذا الإطار، يوصي المجلس بما يلي:

  • تجميع مختلف آليات الدعم الموجَّهة للمقاولات متناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى ضمن إطار معياري جامِع، مع التعجيل بإصدار “قانون للأعمال الصغيرة” (Small Business Act).
  • إسناد مهمة تتبع وتقييم السياسات العمومية الخاصة بهذه الفئة من المقاولات إلى هيئة وطنية مستقلة.
  • تنزيل آليات الدعم على المستوى الترابي وفق خريطة وطنية للاحتياجات الجهوية، بما يضمن الانسجام والفعالية.
  • إدماج تنمية المهارات المقاولاتية والتدبيرية في المناهج الدراسية والتكوين المهني، مع تعزيزها بفترات تكوين ميداني داخل المقاولة.
  • تعزيز الولوج إلى التمويل بحسب خصوصيات كل فئة (المقاولات متناهية الصغر، المقاولات الصغيرة جداً والصغرى، المقاولات الناشئة)، لا سيما من خلال الإسراع بتفعيل نظام الدعم الخاص الموجه للمقاولات الصغيرة والمتوسطة المنصوص عليها في ميثاق الاستثمار وإصدار النصوص التطبيقية ذات الصلة.
  • إرساء خطة وطنية متكاملة للمواكبة غير المالية، ترتكز على قانون للأعمال الصغيرة، وتَقوم على تقديم خدماتٍ قريبة من المقاوِلين، وإقامة شراكات مع فاعلين مؤهَّلين، واعتماد آلياتِ دعمٍ مرنة. وتروم هذه الخطة توسيع نطاق الخدمات لمواكبة التحول التكنولوجي، وتمكين المقاولات الواعدة من الانتقال إلى أحجام متوسطة، وذلك من خلال برامج “المقاولة الموسَّعة” (scale-up) وبرامج تطوير قدرات المورِّدين.
  • دعم إدماج المقاولات متناهية الصغر والصغيرة جداً والصغرى في سلاسل القيمة وتوسيع ولوجها إلى الأسواق، عبر تشجيع التحالفات الاستراتيجية وتعزيز التشبيك بين المقاولات، مع تخصيص حصص متفاوتة في الصفقات العمومية تراعي حجم المقاولة، واعتماد آلياتٍ للمناوَلة المشتركة.
  • مواصلة تحسين مناخ الأعمال من خلال تعزيز آليات مكافحة الفساد، لا سيما في جانبها الرَّدعي، والتصدي لممارسات المنافسة غير المشروعة المفروضة من القطاع غير المهيكل، مع تسريع وتيرة تبسيط ورقمنة المساطر والإجراءات.
  • إجراء تقييم مرحلي للإصلاح الجبائي الجاري، بهدف قياس أثره على هذه الفئة من المقاولات، وإدخال ما يلزم من تعديلات لتخفيف العبء الضريبي عنها، بما يعزز علاقة الثقة المتبادلة بينها وبين الإدارة الجبائية.

الرأي

PDF
العربية
PDF
Français