CESE

التقارير السنوية

التقرير السنوي 2019​

لافتة للتقرير السنوي 2019 المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي
التقرير السنوي 2019​

RAR-2019-6928-ar

ملخص

وطبقاً للقانون التنظيميّ للمجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ والبيئيّ، يتضمّن التقريرُ السنويّ للمجلس تحليلاً للوضعية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لبلادنا برسم سنة 2019.

وفضلاً عن جرد حصيلة أنشطة المجلس خلال سنة 2019، فإن التقرير يرصد بالتحليل العديد من الأحداث والمنجزات. فقد واصل المغرب مسلسل تنفيذِ المشاريع الكبرى المهيكلة، سيما في مجال النهوض بالتشغيل، وذلك على إثر دعوة صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية في أكتوبر من نفس السنة إلى وضع برنامج خاصّ بدعم الخريجين الشباب، وتمويل المشاريع الصغرى للتشغيل الذاتي (برنامج انطلاقة).

على الصعيد الاقتصادي، سجّلت سنة 2019 إحراز تقدّم ملحوظ، لاسيما في قطاع البنيات التحتية ومناخ الأعمال ودعم المبادرة المقاولاتية. 

فعلى صعيد قطاع اللوجيستيك والنقل، تمكن المغرب من التموقع كأكبر قدرة مينائية من حيث معالجة الحاويات في منطقة البحر الأبيض المتوسط، وذلك بفضل تشغيل المحطة الأولى لميناء طنجة المتوسط الجديد. وهو ما يمثل تقدما استراتيجيا للمملكة بالمنطقة. 

وعلى مستوى تعزيز المناخ التشريعي والتنظيمي للأعمال، دخلت العديد من الإصلاحات حيز التنفيذ كما جرت المصادقة على عدة قوانين في 2019. ويتعلق الأمر على وجه الخصوص بالمصادقة على مشاريع القوانين المتعلقة بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، وإصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، وكذا الإدارة الرقمية (قيد المصادقة).

غير أنه على الرغم مما تحقق من تقدم على الصعيد الاقتصادي، لا تزال النتائج والآثار المحققة، على مستوى النمو والاستثمار الخاص وخلق فرص الشّغل، دون الانْتظارات المنشودة. فقد اتسمت سنة 2019 بضعف النموّ الاقتصادي، حيث لم يتجاوز 2.2 في المائة، أيْ أقلّ من المعدل المتوسط المسجَّل على مدى السنوات الثماني الأخيرة الذي يبلغ 3.2 في المائة. وبفعل هذا التراجع للسنة الثانية على التوالي، لم ترتفع حصة الفرد من الناتج الداخلي الإجمالي بالقيمة الثابتة سوى بنسبة 1.2 في المائة في سنة 2019. 

وعلاوة على أوْجه القصور البنيوية التي غالبا ما تَرِدُ في مختلف عمليات التشخيص، فإن ضعف أداء النمو في 2019 يمكن أن يعزى كذلك إلى العوامل المتعلقة بالظرفية التي عرفتها السنة، ويتعلق الأمر بتباطؤ الطلب الخارجي، وانخفاض تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وضعف تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، فضلاً عن الآثار الناجمة عن ضعف الموسم الفلاحي على الإنتاج، وعلى طلب ساكنة المناطق القرويّة

وعلى مستوى خلق فرص الشغل، تم تسجيل انخفاض طفيف في معدّل البطالة، من 9.5 في المائة إلى 9.2 في المائة سنة 2019، وهو انخفاض يظلّ مرتبطًا بالمنحى التّنازلي في نسبة النشاط. وتظل البطالة طويلة الأمد هي السائدة بشكل رئيسي (أكثر من ثلثي العاطلين عن العمل)، ولا تزال تهم نفس الفئات (النساء وحاملو الشهادات والشباب). وعلاوة على ذلك، يغلب على بنية سوق الشغل بالمغرب العمل الذي لا يتطلب مؤهلات، وكذا الهشاشة وضعف الحماية بالنسبة لفئة عريضة من العاملين.  

عموما، تظهر التطورات التي شهدتها سنة 2019 أنه رغم الجهود المهمة التي بذلها المغرب، فيتعين التركيز على معالجة جملة من أوجه القصور: 

  • إكراهات بنيوية تَحُدُّ من وقْع السياسات الماكرو اقتصادية على إنعاش النشاط الاقتصادي: 
  • أولاً الحجم المتناقص للحيز المالي بفعل ضغط المديونية وضيق الوعاء الضريبي، الذي يساهم في تقليص هوامش التدخل المتاحة للسياسة المالية، والحد من آثارها في مجال إنعاش النشاط الاقتصادي؛
  • أما الإكراه الثاني، فيتعلق بإنعاش النشاط الاقتصادي عن طريق السياسة النقدية. وتبرز الوقائع النمطية لتطور الاقتصاد المغربي، ما بين 2009 و2019، أنه إذا كان من الضروريّ وجود توجه تيسيري للسياسة النقدية، في سياق ظرفية صعبة، فإنه يظلّ مع ذلك غير كاف لضمان تحقيق انتعاش حقيقي للاقتصاد، في غياب إجراءات موازية على مستوى السياسات الاقتصادية الأخرى.  
  • مستوى سياسة الصرف، بحيث أنه إذا كان من المفترض نظرياً أن يؤدي اعتماد سعر الصرف المرن إلى تعزيز تنافسية الصادرات، عن طريق تخفيض قيمة العملة في حالة حدوث صدمات سلبية، فإنّ هذا الأثر، مع ذلك، يمكن أن تعوقه بصفة خاصة التّبعيّة الكبيرة للعديد من القطاعات المُصدِّرة لواردات المنتجات نصف المصنعة، والمدخلات وسلع التجهيز.
  • التحسّن الملموس في تصنيف المغرب في «ممارسة الأعمال» (doing business)، خلال السنتيْن الماضيتين، لا ينسجم مع التصورات التي تحملها المقاولات عن مناخ الأعمال على أرض الواقع: إن تصنيف ممارسة الأعمال يشكل بالأحرى تقييماً من الناحية القانونية يرتكز على آراء الخبراء ويستند إلى التقدم المحرز على صعيد النصوص القانونية والمستجدات التنظيمية. إنّ مراعاة أوْجُه القصور التي يعاني منها مناخ الأعمال، سيكون أيضاً عنصراً حاسماً في نجاح برنامج «انطلاقة». والواقع أنّ نجاحه سيعتمد على الجهود التي ستُبذل بكيفيّة موازية، قصد التخفيف من العوامل التي تهدد بقاء المقاولات الصغيرة، خارج البُعد المتعلق بالتمويل. 
  • تؤدي التقلبات المتزايدة وعدم وضوح الرؤية إلى إضعاف الثّقة وتنامي الانتظارية، مما يعوق الاستثمار والنمو والمبادرة المقاولاتية، كما أنها لا تشجع المقاولين الجدد المحتملين على الاستثمار.

أما بالنسبة للمحور الاجتماعي، فإن سنة 2019 لم تشهد على العموم تسجيل تقدم كبير على مستوى معالجة الإشكاليات الاجتماعية الكبرى بالمغرب. فعلى صعيد قطاع التربية والتعليم، اتسمت هذه السنة أساسا بالمصادقة على القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، بعدما أثارت بعض مضامينه نقاشات سياسية وثقافية بين الفاعلين المعنيين، لا سيما بشأن لغة التدريس. كما أن سنة 2019 لم تسجل إحراز تقدم ملموس على مستوى تكوين المدرسين والهدر والانقطاع المدرسيين، والحال أنهما يمثلان إشكاليتين أساسيتين يعاني منهما القطاع وتؤثران سلبا على جودة التعليم.  

ودائما في إطار الإصلاحات التي جرت مباشرتها سنة 2019، فقد شهد قطاع التكوين المهني إطلاق مخطط إصلاح يرتكز أساسا على إحداث مدن المهن والكفاءات. لكن، لابد من التساؤل أيضا عن قدرة خارطة الطريق التي تم إطلاقها سنة 2019 على ضمان جودة التكوين المهني بما يسمح بتحسين قابلية التشغيل لجميع المتدربين الذين يتابعون تكوينهم في مؤسسات التكوين المهني، وليس فقط المتدربين بمدن المهن والكفاءات. 

وبخصوص مجال الصحة، لا تزال هناك نقائص ومواطن قصور مهمة تلقي بظلالها على المنظومة الصحية الوطنية، وهي تهم أساسا مسألة التأطير الطبي وتوزيع بنيات الرعاية الصحية والأجهزة الطبية على مجموع التراب الوطني. وبالنسبة للتغطية الصحية، عرفت سنة 2019 زيادة مهمة في عدد الأشخاص المسجلين في نظام المساعدة الطبية (2.2 مليون مستفيد جديد). ويمكن أن تعزى هذه الزيادة، والتي تعد الأعلى من نوعها منذ إطلاق النظام سنة 2012، إلى كون التوفر على بطاقة «راميد» أصبح من بين شروط الاستفادة من بعض برامج المساعدة الاجتماعية للأسر. 

وفي ما يتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، فقد كشفت النتائج الأولية للبحث الوطني الثاني حول انتشار العنف ضد النساء التي جرى نشرها سنة 2019، عن انتشارٍ مقلق لهذه الظاهرة. وأبرز تحليل التمثلات الاجتماعية لهذه الظاهرة وجود نوع من المقبولية للعنف في حق المرأة، في صفوف الرجال والنساء على حد سواء. 

ومن العوامل التي تفاقم خطر تعرض النساء للعنف، نجد تزويج الطفلات، وهو الموضوع الذي كان خلال سنة 2019 محط نقاش من لدن الفاعلين المؤسساتيين وجمعيات الدفاع عن حقوق الطفل، على غرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي. وتشهد هذه الظاهرة التي تعد انتهاكا لحقوق الأطفال، ارتفاعا منذ بضع سنوات. فبالإضافة إلى الضرر الثابت الذي يلحق بالأطفال الذين يتم تزويجهم وارتفاع خطر وقوعهم في الهشاشة والتبعية الاقتصادية وتعرضهم للعنف الجسدي والنفسي، فإن الاستمرار في السماح بتزويج الأطفال، من خلال الاستثناءات التي نصت عليها مدونة الأسرة المعتمدة في 2004، لا يتلاءم مع مقتضيات دستور المملكة ولا مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب. 

ودائما بخصوص الأشخاص في وضعية هشاشة، سجلت سنة 2019 تقدما محتشما في تنفيذ مقتضيات القانون الإطار رقم 97.13 المتعلق بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة والنهوض بها. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى الشروع في عملية توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة في الوظيفة العمومية، وفق نظام الحصص (الكوطا) وهي النسبة المئوية من مناصب الشغل العمومية المخصصة للأشخاص في وضعية إعاقة والتي حددت في 7 في المائة. غير أنه بالنسبة لتشغيل الأشخاص في وضعية إعاقة في القطاع الخاص، فإن الإطار التعاقدي الذي جرى النص عليه لمكافحة التمييز في الولوج للعمل في حق هذه الفئة، لم ير النور بعد. 

أما بالنسبة لمكافحة الجريمة، فقد قامت المصالح المختصة بتقديم 644.000 شخصٍ أمام العدالة، بزيادة قدرها 11.7 في المائة مقارنة مع السنة الفارطة. وهي زيادة تطرح السؤال حول السياسة السجنية المُثْلَى التي يجب اعتمادها من أجل مكافحة حالات العود، لا سيما في وقت باتت تطرح فيه جدوى الاقتصار على الإيداع بالمؤسسات السجنية كآلية وحيدة للعقاب.  

وبخصوص موضوع الهجرة، وبصلة بالسياسة الوطنية للهجرة واللجوء، التي تم إطلاقها سنة 2013، تجدر الإشارة على وجه الخصوص إلى التأخر المسجل على مستوى اعتماد مشروع القانون رقم 66.17 المتعلق باللجوء وشروط منحه. 

وفي ما يتعلق بالحوار الاجتماعي، تميزت سنة 2019 بتوقيع اتفاق 25 أبريل بين الحكومة والشركاء الاجتماعيين. وقد جاء هذا الاتفاق بعد مرور العديد من السنوات لم يتمكن خلالها هؤلاء الشركاء من التوصل إلى اتفاق بشأن المطالب النقابية. ومن بين البنود التي نص عليها هذا الاتفاق، اعتماد تدابير لمأسسة الحوار الاجتماعي من خلال إحداث آليات للتشاور، منها اللجنة العليا للتشاور. 

دائما على صعيد التعبئة الاجتماعية، تميز المناخ الاجتماعي لسنة 2019 بانخفاض الإضرابات في المقاولات الخاصة بنسبة 63.6 في المائة، مقارنة بسنة 2018. ويظل السبب الرئيسي للإضرابات انتهاك الحقوق الأساسية للأجراء. كما شهدت هذه السنة أيضا حركات احتجاجية ذات مطالب قطاعية لا سيما في القطاع العام على غرار احتجاجات الأساتذة المتعاقدين التابعين للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، في العديد من مدن المملكة من أجل إدماج جميع الأساتذة «المتعاقدين « في الوظيفة العمومية مع إلحاقهم المباشر بأسلاك القطاع الحكومي الوصي. كما عرف قطاع الصحة تعبئة الأطباء وطلبة الطب في القطاع العمومي والذين طالبوا بتحسين تكوين طلبة الطب وتحسين ظروف العمل في المستشفيات، وكذا تطوير تجهيزات قطاع الصحة العمومية. 

في ما يتعلق بالجانب البيئي، تميزت سنة 2019 بعقد المؤتمر الخامس والعشرين للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 25) الذي استضافته العاصمة الإسبانية مدريد من 2 إلى 15 دجنبر 2019. وجاءت هذه الدورة دون الآمال المرتجاة في تحقيق الأهداف المسطرة، كما اتسمت بتأجيل جملة من القرارات المهمة.

وعلى الصعيد الوطني، أعد القطاع الحكومي المكلف بالتنمية المستدامة في مارس 2019، مخططا وطنيا للمناخ يوضح بالتفصيل الأهداف من حيث التكيف المناخي والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، إضافة إلى التمويل اللازم لتنفيذ هذه الأهداف. غير أنه لم يتم خلال هذه السنة اعتماد خارطة الطريق الخاصة بهذا المخطط من لدن مجلس الحكومة. وعلاوة على ذلك، لا تزال السياسة المناخية الوطنية تعاني من أوجه قصور تبطئ وتيرة تنزيلها. لذا، يتعين العمل على الرفع من مستوى التنسيق، بالنظر للطابع العرضاني للمساهمة المحددة وطنيا وتعدد الفاعلين المعنيين، وكذا تحسين الولوج إلى التمويل الدولي للمناخ.

وعلى الصعيد الطاقي، واصل المغرب تنفيذ مشاريع الطاقات المتجددة التي من شأنها الرفع من مساهمة المصادر المتجددة في القدرة الكهربائية المركَّبَة إلى 36.7 في المائة، في متم 2019. كما انتقل المغرب من وضع المستورد الصافي إلى المُصدِّر الصافي للكهرباء.

وعلى الرغم من التوجه القائم بشأن الرفع من نسبة الطاقات النظيفة في مزيج الطاقة الكهربائية، تظل نسبة التبعية الطاقية مرتفعة حيث تصل إلى 91 في المائة، مما يؤثر بشكل كبير على الميزان التجاري المغربي. وتظل الهيدروكربورات الأحفورية تمثل 70 في المائة من الاستهلاك الوطني من الطاقة الأولية.

ومن جهة أخرى، تَواصَل خلال سنة 2019 الإعداد لتنزيل الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة 2030. وفي هذا الصدد، تحقق تقدم ملموس، لاسيما من خلال نشر المرسوم المتعلق بإحداث اللجنة الوطنية للتنمية المستدامة في الجريدة الرسمية، واعتماد 19 مخططا قطاعيّا للتنمية المستدامة، وإعداد خطة خاصة بكل وزارة خلال الفترة 2019-2021 في أفق بلورة ميثاق مثالية الإدارة.

وبالنسبة لإشكالية الموارد المائية، تميزت سنة 2019 بإعداد مشروع المخطط الوطني للماء، على إثر صدور القانون رقم 13.15 المتعلق بالماء. وتصل الكلفة المالية لهذا المشروع الطموح، الذي يهدف إلى تحسين إمدادات المياه ومكافحة ندرة المياه والاستجابة للطلب المتزايد على الماء، إلى حوالي 383 مليار درهم على مدى الثلاثين سنة القادمة.

وتم هذه السنة تخصيص الشق الثاني من القسم الأول للتقرير، الذي يتناول عادة نقاط اليقظة، لأزمة كوفيد19-، وذلك بالنظر إلى الطابع الاستثنائي بكل المقاييس للظرفية التي أسفرت عنها الجائحة سواء على الصعيد العالمي أو بالنسبة للمغرب. إذ أرغمت أزمة كوفيد19- معظم الحكومات في جميع أنحاء العالم على فرض حجر صحي شامل على الساكنة. وهكذا، تحوّلت الأزمة الصحية إلى أزمة متعددة الأشكال: اقتصادية واجتماعية ونفسية ومجتمعية.

وفي المغرب، تفاعلت السلطات العمومية بشكل سريع مع الأزمة الصحية، حيث حرصت على الحفاظ على صحة المواطنات والمواطنين من خلال فرض حالة الطوارئ الصحية وحجر صحي شامل وصارم، وإحداث صندوق خاص بتدبير جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19-) ولجنة اليقظة الاقتصادية. وقد مكن صندوق تدبير الجائحة من ترسيخ روح التضامن بين المغاربة وتقليص حجم الخسائر المرتبطة بالفقدان المؤقت للشغل والدخل. كما ينبغي الإشادة بمبادرات منظومة الإنتاج الوطنية المرتبطة بشكل مباشر بالأزمة (إنتاج الكمامات والمعقّمات وأجهزة التنفّس الاصطناعي وغير ذلك)، دون أن نغفل أن هذه الظرفية كشفت ما يتمتع به الباحثون والمقاولون الشباب من قدرة على الابتكار. ولا شكّ أنّ هذه الأزمة الصحية تشكل مرحلة ستطبع تاريخ المغرب والعالم خلال السنوات المقبلة، إن لم نقل بشكل دائم.

لقد أثرت الأزمة على الاقتصاد والمجتمع المغربي ككل بشكل كبير. فعلى الصعيد الاقتصادي، تتجلى خصوصية الأزمة الصحية لكوفيد19- في تداعياتها التي تتعلق على حد سواء بالعرض والطلب. حيث تشير التوقعات إلى انكماش قوي للناتج الداخلي الإجمالي برسم 2020، قد تبلغ نسبته حسب المندوبية السامية للتخطيط حوالي 5.8 في المائة. وتباينت التداعيات الاقتصادية للأزمة من قطاع لآخر حيث اضطرت العديد من المقاولات للإغلاق النهائي أو المؤقت. وبرسم شهر أبريل، صرحت قرابة 61 في المائة من المقاولات المنخرطة في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بأنها تأثرت بأزمة كوفيد19-.

كما أن الأزمة الصحية فاقمت من الهشاشة الاقتصادية، لا سيما التوازنات الخارجية الهشة التي ترتبط بشكل كبير بعائدات القطاع السياحي، وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، والقرارات الاستراتيجية لكبار المستثمرين المستقرين بالمغرب (قطاع السيارات) وكذا كبار الفاعلين في دينامية الطلب الخارجي الذين ترتهن بهم المقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة الوطنية في بعض القطاعات كالنسيج والألبسة. كما أن محدودية هوامش التدخل على مستوى الميزانية شكلت أحد عوامل الهشاشة التي زادت حدتها خلال الأزمة الحالية. وهو ما دفع المغرب إلى رفع سقف التمويلات الخارجية واللجوء إلى الاقتراض من الخارج.

أما في ما يتعلق بالتداعيات الاجتماعية، فقد اتسمت بحدتها على غرار حجم الصدمة الناجمة عن الجائحة، حيث صرح قرابة 950.000 أجير في القطاع المنظم عند متم أبريل بأنهم توقفوا مؤقتا عن العمل. كما تضرر بشكل أكبر من الأزمة الأشخاص الذين يزاولون الأنشطة الأكثر هشاشة، سيما العاملون في القطاع غير المنظم والذين عانوا من فقدان الدخل إضافة إلى مواجهة بعض الأسر لصعوبات في الاستفادة من المساعدات المقدمة للأسر الفقيرة، وذلك رغم الجهود المبذولة من لدن السلطات المعنية في هذا المجال.

من ناحية أخرى، فإن تقييد التنقل بين المدن والمخاوف من انتقال العدوى في حال الخروج من المنزل، كلها عوامل أدت إلى انقطاع المواطنات والمواطنين عن المراقبة الطبية والعلاج. كما سلط الحجر الصحي الضوء على أوجه التباين في مجالات الولوج إلى التعليم والدراسة عن بعد، والتي فاقمت من التفاوتات والفوارق بين التلاميذ المنحدرين من أوساط اجتماعية وثقافية مختلفة، وأبرزت أيضا التفاوتات في الولوج إلى الأنترنت والتجهيزات الرقمية، والتي تعاني منها فئات عريضة من الساكنة الفقيرة.

من جهة أخرى، وفي ما يتعلق بتدبير الأزمة، أبانَ المغرب عن ردّ فعل جد إيجابي، من خلال الكشْف عنْ قدرة جيدة على مستوى الاستباق والتواصل. غير أنّه بَعْد التمديد الثاني لفترة الحجر الصحي، وتفاعُلا مع بعض التصريحات الرسمية التي أعطت الانطباع بوجود نقص في وضوح الرؤية، وضعف في التنسيق، ونوع من التّردّد لدى المسؤولين، بدأ يتكوّن نوع من عدم الرضا لدى المواطن/ة ومختلف الفاعلين الاقتصاديين.

إن حجم الخسائر الناجمة عن أزمة كوفيد19- أبرزت الطابع الاستعجالي لوضع خطة للإنعاش الاقتصادي. في هذا الصدد، تمّ بالفعل اتّخاذ العديد من تدابير الإنعاش منْ طرف لجنة اليقظة الاقتصادية، وباشرت الحكومة مسلسل اعتماد مشروع قانون المالية المعدل. بينما اتّخذ بنك المغرب عدداً من القرارات التي تهدف إلى التّقليص من كلفة الاقتراض، وإلى تعزيز السيولة على صعيد النظام البنكي، وتخفيف القيود الاحترازية. وبالنظر إلى الخسائر الناجمة عن الأزمة الصحية، تتطلب خطة الإنعاش ميزانية استثنائية في وقت تعتبر فيه خيارات التمويل جد محدودة. وبصرْف النّظر عن نوع التمويل المختار، فإن استكمال مرحلة الإنعاش سيكون عنصراً أساسياً لاستعادة «الثقة» في التّدبير العُمُومي، التي تراجعت في السنوات الأخيرة.

وموازاة مع ضرورة استئناف النشاط الاقتصادي على المدى القصير، سلطت الأزمة الصحية الضوء على الحاجة الملحة لبدء عملية إعادة هيكلة النموذج الاقتصادي والاجتماعي الوطني من أجل تحقيق مزيد من القدرة على الصمود إزاء الصدمات المستقبلية، وإعادة تموقع بلادنا على الصعيد الاقتصادي الإقليمي والعالمي. وبالنسبة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، تبرز عدة محاور ذات أولوية في مرحلة ما بعد كوفيد19-.

فعلى الصعيد الاقتصادي، يتعلق الأمر بما يلي:

  • إعادة تشكيل وتحسين الحيّز المالي خلال مرحلة ما بعد الجائحة بعد أن يعرف النشاط الاقتصادي استقرارا ويعود إلى وتيرته لتحقيق القدرة على الاستجابة للأزمات المستقبلية وتعزيز أدوات الاستقرار التلقائية؛
  • إحداث صندوق استقرار دائم ضد الصدمات الكبرى: يعمل على تجميع المخاطر من أجل تحقيق قدرة أفضل على الصمود للاقتصاد المغربي؛
  • النهوض بالصناعات البديلة للواردات وتحسين معدل الإدماج الصناعي للمهن العالمية من أجل تقليص هشاشة الاقتصاد أمام الاضطرابات التي تعرفها سلاسل التوريد الدولية، في الأزمات المستقبلية والتهديدات بترحيل الصناعات وإعادة توْطينها. غير أنّ هذه الحوافز ينبغي أنْ تكونَ مشروطة بأداء المُقاولات المُستفيدة؛
  • الدفع بمسلسل مراجعة مختلف الاتفاقيات التجارية التي أبرمها المغرب، بهدف دعم الصناعات الوطنية؛
  • تنويع قطاعي لعرض المغرب، مع العمل على الارتقاء بالمنتوج للرّفع من درجة صموده أمام الصّدمات غير المتكافئة التي يتعرّض لها قطاع معيّن؛
  • اعتماد سياسة لتشجيع استهلاك منتجات «صُنع في المغرب» من طرف المُستهلك المغربيّ، وتوفير حوافز لتشجيع المقاولات الكبرى على التعاون بشكل أكبر مع المورِّدين المحليين، وتعميم شرط الأفضلية الوطنيّة على جميع الطلبيات العموميّة، على أن يتم وضع دفاتر تحملات تتضمن شروطا موضوعية ينبغي احترامها؛
  • اغتنام فرصة التغييرات المحتملة في سلاسل القيمة العالمية من خلال استثمار معطى القرب الجغرافي وسلاسل القيمة الإقليمية؛
  • تطوير القطاعات الاستراتيجية الرامية إلى تعزيز سيادة البلاد ولا سيما في المجالات المرتبطة بالسيادة الغذائية، والأمن الطاقي وأيضا السيادة التكنولوجية لضمان انتقال بلادنا من مجرد مُسْتهلك إلى مُنتج وفاعل في مجال المعرفة.

وفي ما يتعلق بالمجال الاجتماعي، يتعين العمل على:

  • تقوية القطاعات الاجتماعيّة الأساسيّة وبالخصوص التعليم عن طريق وضْع منظومة رقميّة للتكوين تكمل وتدعم منظومة التكوين الحضوريّ، مع العمل على معالجة أوجه التفاوت من حيث التجهيزات الرقمية والولوج إلى الربط بشبكة الأنترنت؛
  • تطوير التطبيب عن بُعْد والرفع من ميزانية الصحة العمومية وتحسين العرض الصحي بتكوين عدد كاف من الأطر الطبية وتحسين التأطير الطبي، من خلال الرفع من نسبة الأطباء مقارنة بعدد السكان، وإنشاء مركز استشفائيّ جامعيّ في كل جهة، وغير ذلك؛
  • ضمان إدماج وهيكلة القطاع غير المنظم عن طريق اقتراح تدابير تحفيزية كتطبيق ضريبة جزافيّة منخفضة، بما في ذلك ضمان الحماية الاجتماعية، على وحدات الإنتاج غيْر المنظمة، التي ترغب في الانضمام إلى القطاع المنظم، معفاة من أيّ ضريبة أو مستحقات، وإحداث شبابيك لمواكبة عملية الانتقال إلى القطاع المنظم، ولا سيما أنشطة الإعلام والتكوين وأنشطة التحسيس وغيرها؛
  • مراجعة منظومة الحماية الاجتماعية الحالية وتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية لفائدة الأشخاص في وضعية هشّة. ويمكن أن يتطلب ذلك إحداث صندوق للتضامن الاجتماعي يتم تسييره بشكل تشاركي وشفاف ومستقل عن ميزانية الدولة. ولا يمكن إحداث هذا الصندوق إلا بعد توسيع الوعاء الضريبي من أجل تمويله، استنادا إلى المبدأ الدستوري الذي ينصّ على مساهمة كل شخص طبيعي واعتباري في جهود التنمية، كل حسب استطاعته وقدراته الحقيقية.

إضافة إلى التدابير السالفة الذكر، يتعين الاشتغال على محور ذي طابع عرضاني يهم تحقيق تحوّل رقمي حقيقي. وفي هذا الصدد، ينْبغي إيلاء أهمّيّة خاصّة لخمسة مجالات هي:

  • العمل، في غضون ثلاث سنوات كحدّ أقصى، على رقْمنة جميع الخدمات الإدارية الموجَّهَة للمواطنين، عن طريق تطوير قابلية اشتغال الإدارات في ما بينها، وتعزيز الهوية الرقمية، واستعمال الأداء الإلكتروني؛
  • توفير دعم مالي أكبر للمقاولات الصغيرة جدا والصغرى والمتوسطة بهدف تسهيل رقمنتها، وتقديم دعْمٍ ماليّ وتقنيّ للمقاولين الأفراد والتّجار لإنجاز عملية الرقمنة؛
  • إنجاز رقمنة متطوّرة لبعض الخدمات الاجتماعية، ولا سيما منها التعليم عن بُعْد والتّطبيب عنْ بُعْد؛
  • تعزيز الإدماج والعدالة الرّقمييْن، من خلال دمقرطة الولوج إلى الأنترنت وإلى التجهيزات الرّقمية، وتعميم الثقافة الرقمية منذ سنٍّ مبكّرة في جميع المدارس؛
  • مراجعة مدوّنة الشّغل وفق مقاربة تشاركيّة، بما يسمح بإدراج ضمن بنودها العمل عن بُعْد وخصوصياته، مع التنصيص على حقوق المشتغلين بهذا النّوع من العمل، على مستوى الحماية الاجتماعية، واحترام الغلاف الزمني لساعات العمل، والحق في الانفصال عن الشبكة خارج أوقات العمل وغير ذلك.

أخيراً، وفي ما يتعلق بترسيخ وحماية المكتسبات ودولة الحق والقانون، يجب أن تكون القيود والتدابير المرتبطة بحالة الطوارئ الصحية مؤقتة، وألا تصبح بأي حال من الأحوال قاعدة، أو أن تدفع في اتجاه ممارسات لا تُرَصِّد مكتسبات بلادنا في مجال دولة الحق والقانون والحريات. وفي هذا الصدد، سيكون من الأنسب للمؤسسات الدستورية المختصة والمجتمع المدني تقييم التجاوزات المعزولة التي قد تكون حدثت أثناء تطبيق حالة الطوارئ الصحية، والحرص على أن تكون العودة إلى الوضعية الطبيعية وفق ما يضمنه الدستور من حقوق وحريات.

في إطار الموضوع الخاصّ للتقرير السنوي لسنة 2019، انْكبّ المجلس على تحليل الوضعيّة المتأزّمة، متعدّدة الأبعاد، التي تعيشها المناطق الحدوديّة للثّغريْن المحتلّين سبتة ومليلية. وقد انصبّ الاهتمامُ هنا على إشْكالية التهريب في هذه المناطق، ولا سيّما على دراسَة مُجمل التحدّيات التي يفْرِضها الإغلاق الأخير لنقطتيْ العبور إلى المغرب. والواقع أنّ الثّغريْن المحتلين قد أصبحا بمثابة نقطتيْن سَوْداويْن منذ ما يربو على عقد من الزمن، بالنظر إلى المَخاطر التي يُشكّلانها بالنسبة للمواطنات والمُواطنين المغاربة، ولاقتصاد بلادنا وأمنها واحترام حقوق مواطنيها. ذلك أنّ عدداً من الأفراد، ولا سيّما في صفوف النساء، قدْ فَقَدُوا أرواحهم وكرامتهم عبر ممراتهما، فضْلاً عمّا تَرتَّب عن ذلك من انتهاكٍ للقوانين ولحقوق الإنسان، وتكبُّد خسائر اقتصادية ومالية كبيرة، وتوالي التهديدات الخطيرة لصحّة الأفراد. يُضاف إلى هذه العناصر أنّ المناطق المحاذية للثّغريْن قد تحوّلت، مع مُرُورِ الوقت، إلى نقاط جذبٍ للهجرة غير الشرعية، وأحيانًا إلى فضاء للمواجهات وكلّ أشكال العُنف.

إنّ التهريب، الّذي كانت تُحيط به بيئة كاملة مترابطة ومتداخلة، قد تحوّل من نشاطٍ معيشي إلى حركة منظمة ومهيكَلَة بصورةٍ قويّة لا يظهر سوى جزْءٍ منها فقط. وبالتالي تتطلب هذه الوضعيّة من السلطات العموميّة الإسراع بتقديم الإجابات الملائمة لمعالجة عُمق المشكل وأسبابه البنيويّة.

يرمي المجلسُ الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، من وراء هذا التفكير، إلى بناء رؤية يقترحها على السلطات العمومية لدعم مُمْتهني التهريب المعيشي، ولاسيّما النساء منهم، في اتجاه مزاولة أنشطة منظّمة، ومن أجل تحقيق تنمية اقتصادية في المناطق المَعنيّة أكثر. وتمر هذه الرؤية بالضّرورة عبر اعتماد استراتيجية تروم إعادة تحويل بيئة التهريب المعيشي إلى أنشطة منظمة، وعبر إيجاد حلول مناسبة كفيلة بتقديم بدائل مستدامة للسّاكنة المحليّة في المناطق المُحاذية لمدينتيْ سبتة ومليلية.

وفي هذا الصّدد، يوصي المجلس باعتماد ثلاث مجموعات من التوصيات، ذات الصّلة بالمشاكل النّاجمة عنْ إغلاق المَعْبريْن الحدودييْن:

  • المجموعة الأولى من هذه التوصيات ذات طبيعة عرضانيّة تتعلق بنمط الحكامة. ذلك أنّ هذه الأخيرة تُعتبَر شرطاً لازماً لنجاح أيّ استراتيجية في هذه المناطق لاستعادة الثقة وخاصة في هذه المناطق التي تعرض فيها مفهوم الثقة إلى العديد من الصدمات.
  • المجموعة الثانية ترتبط بالتدابير على المدى القصير، حيث تهدف إلى خلق فرص للأشخاص الذين فقدوا عملهم، سواء كتجّار أو كممتهنين للتهريب المعيشي، بعد إغلاق نقاط العبور.
  • المجموعة الثالثة من التدابير ترتبط بالمدى المتوسط/الطويل، وتسعى إلى النّهوض بالتنمية في هذه المناطق، من خلال اقتراح مسالك استراتيجية تهدف إلى الحدّ من الفوارق على مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الجارِ الإسْباني، وتوفير الشّروط اللّازمة لتحسين جاذبية هذه المنطقة.
اقرأ أكثر أقرأ أقل

تحميل التقرير

PDF
العربية
PDF
Français

تحميل الملخص

PDF
العربية
PDF
Français

قد تحظى باهتمامكم المواضيع التالية :

آليات منح التراخيص ومراقبة استغلال الموارد الطبيعية (الموارد المائية والمقالع)
شباب لا يشتغلون، ليسوا بالمدرسة، ولا يتابعون أي تكوين "NEET": أي آفاق للإدماج الاقتصادي والاجتماعي ؟
من أجل مجتمعٍ متماسكٍ خالٍ من التسول