إن هذا النموذج المقترح يتوخى إرساء دينامية سوسيو-اقتصادية جديدة للتنمية، حاملة للنمو، ومـدرة لفرص الشغل، بالمشاركة الفاعلة لمواطني الأقاليم الجنوبية. وهـو يستهدف تنميـة مسؤولة ومستدامة، تقـوم على التوازن بين خلق الثروات وتوفير فرص الشغل، والإعداد المستدام للتراب، وحماية البيئة، وإنعاش الثقافة، واستفادة الساكنة المحليـة مـن ثـروات المنطقة.
ومن خلال تحسين جاذبية المجال الترابي، وتطبيق مقتضيات القانون، وترشيد الوسائل المخصصة للمساعدات الاجتماعيـة مـن خـلال قيادة مؤسساتية موحدة واستهداف أمثل، وتفادي وضعيات الريع، مـن شـأن هـذه الدينامية، أن تسهل تثميـن القطاعات القائمة، وتطوير القطاعات الاستراتيجية الأخرى، بمـا يتيح تنويع الاقتصـاد تنويعـا أمثل، وخلق الثروة وفرص الشغل.
وترمي التحولات التي يعتمدهـا هـذا النموذج الجديد إلى القطـع مـع الحكامة الممركزة، التي تعطي الأولوية للمنطـق الأمني، والاستعاضة عنها بحكامـة للقـرب تقـوم علـى سيادة القانون ومشاركة المواطنين، وعلـى منـطـق تنمية مستدامة ومدمجـة ومندمجة، كمـا تقتـرح الانتقـال مـن اقتصـاد قائم على الريـع، يعتمـد علـى الأنشـطة الأولية وعلى الامتيازات، إلى نظام يخلق الشروط المناسبة لتحرير المبادرة الخاصة وتشجيع الشفافية وقواعد المنافسة، وفي المجال الاجتماعي، يتعين الاستعاضة عن منطق المساعدة بسياسة لشبكات الدعم الاجتماعي، مـع نظـام مـشـروط لتقديم الدعم النقدي، يستهدف الساكنة الأكثر هشاشة ويرمـي إلـى تقويـة قـدرات الأفـراد لإخراجهـم مـن دائرة الفقـر، كمـا يجـب تثمين الثقافة المحليـة مـن خـلال اعتماد سياسة حقيقية للمحافظة على الموروث الحساني. كل هذه السياسات ينبغي ان تندرج في إطار الاستدامة، مـن أجـل وضـع حـد لاستراتيجيات المدى القصير، التي لا تستجيب إلا للإكراهـات الظرفية فقط.
وقد رفع هذا التقرير إلى أنظار جلالة الملك مباشرة بعد التصويت عليه من طرف الجمعية العامة.
وفي الخطاب الذي وجهـه جلالة الملك إلى الأمة، يـوم 6 نونبر 2013، بمناسبة الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، أكد حرص جلالته على استكمال بلورة وتفعيل هذا النموذج. ومما جاء في الخطاب السامي فـي هـذا الصدد : «وحرصا منـا علـى ضـمـان شـروط النجاح لهذا النموذج الطمـوح، القائم على الإبداع وروح التشارك، فإنه سيتم تزويده بآليات ناجعة للحكامة المسؤولة، فضلاً عن كونه يندرج في إطار الجهوية المتقدمة، التـي تخـول اختصاصات واسعة للمجالس المنتخبة.
ويظـل هـدفنـا الأسمى، جعل أقاليمنا الجنوبية فضاء للتنمية المندمجة، والعيش الكريم لأبنائها، وتعزيز بعدهـا الجيو-استراتيجي، كقطـب جـهـوي للربط والمبادلات بيـن أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء».
وبالنظر إلى أهمية التوصيات التي يقترحهـا النموذج التنموي الجديد للأقاليم الجنوبية، فقد تولى تقديـم هـذا التقرير، في عدة مناسبات رسمية، كل من رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وأمينه العام، وكذا أعضاء اللجنة الخاصة، لدى مختلف الهيئات والمنظمات الدولية، بالخصوص، وعـدد مـن مراكز التفكيـر. كمـا حظـي هـذا التقرير بتغطية إعلامية واسعة، وانعقدت بشـأنه موائد مستديرة تناولت مختلف جوانبه، كل مـا لـه علاقة بالأحداث ذات الطابع الوطني والدولي.
