SR-C3-082021-33-ar
تهدف الدراسة، التي تم إعدادها في إطار إحالة من السيد رئيس الحكومة، إلى تحديد الاختلالات الرئيسية التي يتعين معالجتها في مجال سياسة الصحة العقلية، والتكفل بالاضطرابات العقلية والنفسية والوقاية من الانتحار.
حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية برسم سنة 2019، فإن حوالي شخص واحد من أصل كل ثمانية أشخاص عبر العالم يعاني من اضطراب عقلي. فيما يُقْدِمُ على الانتحار أزيد من شخص واحد من بين كل مائة شخص. ورغم حجم هذه الظاهرة واعتبار منظمة الصحة العالمية أن الصحة العقلية مكون أساسي من مكونات الصحة بشكل عام ولا يمكن أن ينفصل عنها، إلا أن غالبية المنظومات الصحية بمختلف البلدان لا تولي الأهمية اللازمة للصحة العقلية ولا توفر ما يكفي من العلاجات وأشكال الدعم للأشخاص المعنيين، إذ لا تتجاوز نسبة مخصصات الصحة العقلية في الميزانيات الوطنية للصحة 2 في المائة في المتوسط. ويقدر أن أزيد من 75 في المائة من الأشخاص المصابين باضطرابات عقلية في البلدان ذات الدخل المنخفض أو المتوسط، لا يستطيعون الحصول على الرعاية الصحية.
بالمغرب، وفي ظل غياب معطيات شاملة ودقيقة حول الاستثمار العمومي في مجال الصحة العقلية، فإن الخصاص المسجل حاليا على مستوى عرض العلاجات النفسية والعقلية (2431 سريرا، و454 مختصا نفسانيا)، يؤشر على ضعف استثمار الدولة في منظومة الرعاية النفسية.
وقد خلص المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي إلى أن موضوع الصحة العقلية يتم تناوله بطريقة قطاعية ومن زاوية المرض العقلي، مع إغفال الدور الأساسي للمحددات السوسيوثقافية للصحة. وتتسم هذه المحددات بتعددها، إذ تشمل العوامل البيولوجية، والاجتماعية والثقافية (العنف الأسري والاجتماعي، التمييز في حق المرأة، وغير ذلك) والاقتصادية (ظروف العمل في الوسط المهني، البطالة، وغير ذلك). وإذا كانت نسبة تأثير منظومة العلاجات على الوضعية الصحية تتراوح ما بين 20 و 30 في المائة، فإن هذه المحددات قد تؤدي إما إلى تحسين الصحة العقلية للأشخاص أو على العكس من ذلك، إلى تدهورها، وذلك حسب درجة هشاشتهم ومدى حدة المخاطر المرتبطة بالبيئة التي يعيشون فيها.
بالإضافة إلى ذلك، تمت معاينة عدد من أوجه القصور على مستوى الإطار القانوني والخبرة القضائية في مجال الأمراض العقلية والنفسية. ينضاف إلى ذلك الصعوبات المرتبطة بالإيداع القضائي للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية داخل مؤسسات العلاج إما لأسباب وقائية أو جنائية، ولا سيما في ظل الخصاص المسجل في الطاقة السريرية وبنيات الطب العقلي والنفسي.
وانطلاقا من هذا التشخيص، يقدم المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي جملة من التوصيات، في ما يلي أبرزها :
- بلورة سياسات وبرامج عمومية منسقة لتعزيز الصحة العقلية والوقاية من الاضطرابات العقلية والمخاطر النفسية-الاجتماعية، على أن تقوم هذه السياسات والبرامج على مؤشرات مرقمة وقابلة للقياس، وعلى دراسات للأثر على المستويين الصحي والاجتماعي.
- تحسين إمكانية الولوج لرعاية نفسية وعقلية ذات جودة، تكون مواكِبة لما بلغته المعارف والعلاجات من تطور، ومستجيبة للاحتياجات الخاصة للمرضى، لا سيما تلك المتعلقة بالسن والحالة الاجتماعية والاقتصادية ووسط العيش وأشكال الهشاشة التي يعانون منها.
- مراجعة وتحيين المصنف العام للأعمال المهنية (NGAP) في الشق المتعلق بالتكفل بالاضطرابات العقلية والتعريفة الوطنية المرجعية ذات الصلة، وذلك في ضوء التطورات الطبية التي شهدها مجال العلاج والتكفل بهذا النوع من الاضطرابات، مع الحرص على تطبيق تعريفة معقولة.
- النهوض بمهنة الأخصائي النفسي من خلال وضع نظام أساسي خاص بهذه الفئة، ووضع سجل رسمي للأخصائيين النفسيين.
- تعزيز الضمانات القانونية والقضائية للأشخاص المصابين بالاضطرابات العقلية، بما يراعي حالاتهم الصحية، ويوفر لهم حماية أمثل. ولتحقيق هذا الغرض، ينبغي العمل على 1) إعادة النظر في مشروع القانون رقم 71.13 المتعلق بمكافحة الاضطرابات العقلية وبحماية حقوق الأشخاص المصابين بها، قبل المصادقة عليه، وذلك بالتشاور مع ممثلي المهنيين والمرتفقين، و2) ملاءمة أفضل لمقتضيات القانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية مع خصوصيات المرض العقلي وحاجيات المرضى المعنيين.
- الرصد المبكر لحالات الأفكار الانتحارية لدى الأطفال والشباب في الوسط العائلي وداخل المؤسسات التعليمية والتكفل بها، وفق بروتوكول معد سلفا.
- التدخل على مستوى الأخطار النفسية-الاجتماعية في الوسط المهني، من خلال المصادقة على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 190 بشأن القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل؛ وتطوير طب الشغل داخل المقاولات، ومراجعة مدونة الشغل في اتجاه إقرار جريمة التحرش المعنوي؛ ومراجعة لائحة الأمراض المهنية من خلال إدراج الاضطرابات النفسية والعقلية المرتبطة بظروف العمل.