الرأي
ملخص
يضطلع العقار بدور محوري في الدفع بعجلة التنمية الاقتصادية وتقليص الفوارق المجالية وترسيخ العدالة الاجتماعية. غير أنه في ظل أوجه القصور التي تعتري القواعد الواردة في النصوص القانونية والتنظيمية المنظمة للعقار، في ما يتعلق بحماية الحقوق العقارية، تشكَّل تدريجيا لدى المواطنين شعور بعدم الإنصاف حيال هذه المقتضيات. كما يتكرس هذا الشعور جرَّاء منطق المضاربات الذي يسود في بعض المعاملات ومكامن الضعف المسجلة على مستوى تنزيل السياسات العمومية ذات الصلة بالعقار، وذلك في ضوء متطلبات تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لبلادنا.
وإذ يُقِر المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بالإصلاحات والمبادرات التي تم اتخاذها في هذا المجال، فإنه يسجل غياب إطار استراتيجي مشترك، لضمان تجانس السياسات العمومية ذات الصلة بقطاع العقار وتوجيهها بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل السلطات العمومية، لا تزال ثمة إكراهات كبرى تتعلق بتجانس والتقائية الأهداف والتدابير المعتمدة، في ظل تعدد المتدخلين المعنيين، وتنوع الأنظمة القانونية المنظمة للعقار وغياب آليات تنسيق لامركزية ناجعة في هذا المجال.
وارتكازاً على عناصر التشخيص التي تم تقديمها في هذا الشأن، يقترح المجلس أربعة توجهات استراتيجية تضم مجموعة من الإجراءات الرامية إلى تحديث الإطار العام المنظِّم لمجال العقار، مع الحرص على الحفاظ على التوازنات التي يقوم عليها، وذلك بما يُمَكِّن من الاستجابة بشكل ناجع للحاجيات الملحة المتعلقة بتحصين الملكية العقارية، وتقنين الأسواق العقارية، وتحسين نظام المعلومات العقارية.
وفي هذا الصدد، يروم التوجه الأول تهيئة مجالات حضرية متحررة من أي قيود تحول دون تحقيق التنمية، ومستقطبة للاستثمار المنتِج وتوفر سكناً لائقاً ومتاحاً للجميع، وذلك من خلال العمل على ما يلي:
- توظيف آليات تنسيق تدبير المجال العقاري من أجل إنتاج عقار موجه للنهوض بالسكن المتوسط، وتدعيمها بتدابير تحفيزية، مع العمل على ضمان تتبع صارم للتصدي لعمليات الاستيلاء على العقارات؛
- اللجوء إلى ضم الأراضي في المناطق المحيطة بالمدن، وفق مساطر شفافة تُوفِّر المعلومة للجميع، من أجل إتاحة تدخل عمومي يكفل تسريع وتيرة فتح الأراضي أمام عمليات التهيئة العمرانية.
أما التوجه الثاني، فيسعى إلى تثمين المناطق الفلاحية والمجالات القروية بشكل أفضل، ارتكازاً على حقوق فردية وجماعية محصَّنة ومكفولة. ومن بين التدابير المقترحة في هذا الصدد، نذكر ما يلي:
- الاعتراف بالحقوق العقارية الموسَّعة لتشمل مبدأ الاستغلال الهادئ وغير المتنازَع بشأنه أو الانتفاع الدائم على أساس الوضعية المجزأة للعقار، واعتماد وترخيص إنشاء حقوق تبعية (الكراء، التفويت، المعاوضة…)؛
- العمل بشكل تدريجي على تسوية الوضعية القانونية للعقار السكني في مناطق السكن غير النظامي، من خلال العمل في مرحلة أولى على تعزيز الحقوق المتعلقة بالمناطق السكنية عن طريق عقود الإيجار طويلة الأمد والقابلة للتجديد، والاعتراف في نهاية المطاف بالملكية وفق كيفيات ينبغي تحديدها.
ويهدف التوجه الثالث إلى إرساء إطار قانوني يضمن تحصين حقوق الملكية ويأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات والأدوار المنوطة بكل نظام من الأنظمة العقارية. ومن بين التدابير المقترحة في هذا الشأن، يوصى بما يلي:
- إقرار وضمان حماية مختلف الحقوق العقارية المكتسبة بكيفية مشروعة لكنها قد تكون غير مطابقة للقانون، أو هي معاملات غير نظامية (التفويت بالتراضي، عقود الإيجار طويلة الأمد، التنازل…)، كما هو الشأن بالنسبة للحقوق المستمدة من الأنظمة التي تتمتع بحماية منصوص عليها بموجب القانون؛
- تعزيز وتوحيد الإطار القانوني المنظِّم للعقار، من خلال إحداث «مدونة عقارية» تتضمن القواعد المشتركة التي تهم جميع الأنظمة العقارية والقواعد الخاصة الأخرى المطبقة على بعض أنواع العقار أو الأنظمة العقارية.
أما التوجه الرابع، فيروم إرساء حكامة عقارية فعالة تتوفر، على المستويين الوطني والجهوي، على آليات قادرة على مواكبة تطورات الطلب. ومن بين التدابير المقترحة في هذا الصدد، نذكر ما يلي:
- إحداث سجل وطني للأملاك العقارية يغطي مجموع التراب الوطني، إلى جانب السجل القانوني المتعلق بالأراضي المحفَّظة، وذلك من خلال تفعيل الإطار القانوني الخاص به، مع العمل على وضع سجل عقاري شامل يتضمن كافة المعلومات الضرورية من أجل إرساء تدبير ناجع للرصيد العقاري؛
- تعزيز آليات تنسيق العمل في المجال العقاري، من خلال إحداث مؤسسة لهذا الغرض تُخوَّل لها صلاحيات واسعة للاضطلاع بمهامها؛
- سن إطار ضريبي ملائم ومتطور، يرتكز على معلومات متاحة للجميع وشفافة، وذلك من أجل التصدي للمضاربة، مع استحداث ضريبة تستهدف الممتلكات غير المنتجة للثروة.
ومن أجل تيسير أسباب النجاح لعملية إصلاح السياسة العقارية للبلاد، وجعلها آلية محدِثة للثروة ومقبولة اجتماعيا، يتعين استباق مختلف أشكال مقاومة الإصلاح، الاجتماعية منها والسياسية، والتي قد تعيق تنزيل الاستراتيجية العقارية الجديدة بكيفية منسجمة بين الأطراف المعنية. كما يقتضي ذلك تحديد التدابير ذات الأولوية، من خلال التركيز في المقام الأول على التدابير ذات الوقع الإيجابي على المدى القصير وكذا على أولويات الفاعلين المؤسساتيين، مع الحرص على انتهاج مقاربة على المدى الطويل، بما يُمكِّن من جعل العقار رافعة حقيقية للتنمية.